منذ اندلاع الحرب ولا يكاد يمر يوم إلا ويظهر تساؤل حول أين الله مما يحدث في غزة وحكمته في مواجهة تلك المحنة.
بعيدًا عن هول المشاهد القاسية التي تجعل القدرات الإدراكية للإنسان معطلة، ويظهر إحساس لدى البعض أن لديه القدرة على التحكم والتنسيق في النظام الكوني، دون النظر إلى الترتيب الإلهي الغيبي، وهذا الإحساس يجعلهم ينظرون إلى الحياة بدون مُكابدة أو معاناة.
ومع ذلك فإن هذه النظرة الفردوسية للحياة هي أول خطوات الارتجاج والتذبذب النفسي لأن ربنا لم يعد بنفي الشر، بل وضع مقدمات للحياة والإيمان وبيّن لنا من خلال الحكمة حتمية وجود بعض الشر.
وفكرة وجود الإله بكونه إلهًا، لابد من الإدراك أنه من المستحيل أن يتصرف وفق المعايير والمعتقدات الدنيوية، هو -عز وجل- خالق الكون ومالكه، هو الذي يرزق الخلق ويحدد مصائرهم، وقد يبتليهم بالمحن والابتلاءات لأسباب قد لا نفهمها بشكل كامل.
ثم إن أهل الفلسفة يرددون دائمًا أن لولا وجود الشر ما كان للخير والحق قيمة، لذلك هي منظومة متكاملة لا يمكن أن تنفك عن بعضها، وتتحول الأرض إلى نسخة مثالية أو نسخة منقحة من رواية يوتيوبيا.
والأمثلة حول ذلك لا تحصى، الظلم يعني غياب العدل، والجوع يعني غياب الشبع، وعليه يظل السؤال المطروح هل يمكن أن نستشعر وجود الشئ مع انعدام ضده؟
لو أراد الله أن يؤيد أهل غزة بنصره، ليس شرطًا أن يكون نصًا إعجازيًا أو خارقًا للطبيعة، بل قد يتبع قواعد مادية تاريخية، بأن يلهم أحدهم باكتشاف ثغرات في العدو تتسبب في خسائر فادحة له.
لذلك مهم للإنسان أن يجدد إيمانه بما يعتقده، ومن المعتقد وقتها أن من الممكن أن يتخلى الكثير منهم عن الإله الذي صنعوه في مخيلتهم، ويتصورون أن نظرة الضعيف أو المظلوم ليس شرطًا أن تكون لحظية أو سريعة وإن السماء توقفت منذ قرون عن رمي حجارة من سجين.
بمجرد اليقين سوف تتفهم أن قبل “غزة” بقرون كانت البُشرى الوحيدة لما حُرّقت أجساد “أصحاب الأخدود” في مقتلة لم يشهدها العالم من قبل أن ختم الله كلامه الرحيم بوصفه لهم: “ذلك الفوز الكبير”.
فازوا رغم أن الله لم ينقذهم من “الحرق” نفسه، ربما لأن حكمته تقتضي أن قيمة نصر المؤمنين في هذا الوقت هو : أن يموت الناس على “الحق”، وأن الدُنيا ما هي إلا بوابة عبور للعيش الحقيقي في الآخرة.