يأتي شهر أكتوبر من كل عام حاملاً معه نسائم الانتصار والمجد.. تلك الأيام التي نستحضر فيها دروس النصر، ونحتفي بالأبطال والشهداء.. ونحيي ذكرى انتصارات أكتوبر العظيمة، إذ تحتفل مصر وقواتها المسلحة بالذكرى الـ51 لانتصارات أكتوبر المجيدة عام 1973، ذلك النصر المبين الذي قاتل المصريون من أجله، ودفعوا ثمنًا غاليًا من دمائهم الطاهرة ليستردوا جزءًا عزيزًا من أرض الوطن، هو أرض الفيروز “سيناء”.
لم تكن حرب أكتوبر المجيدة مجرد معركةٍ عسكريةٍ خاضتها مصر وحققت فيها أعظم انتصاراتها، وإنما كانت اختبارًا حقيقيًا لقدرة الشعب المصري على تحويل الحلم إلى حقيقة، فلقد تحدى الجيش المصري المستحيل ذاته، وقهرَهُ، وانتصر عليه، وأثبت تفوقه في أصعب اللحظات التي قد تمر على أي أمة.
وتعد حرب أكتوبر المجيدة علامة مضيئة في تاريخ العسكرية المصرية العريقة، إذ تبارت فيها جميع التشكيلات والقيادات في أن تكون مفتاحًا لنصر مبين، وعلّمت العالم أن الأمة المصرية قادرة دومًا على الانتفاض من أجل حقوقها وفرض احترامها على الآخرين، وأنّ الحق الذي يستند إلى القوة تعلو كلمته وينتصر في النهاية، وأنّ الشعب المصري لا يفرط في أرضه حتى تفيض روحه، وقادر على حمايتها والزود عنها.
حرب أكتوبر المجيدة لا تزال ملحمة وطنية مصرية متكاملة، عادت فيها أرض سيناء الحبيبة إلى وطنها الأم، تجمعت فيها كل المبادئ الوطنية والقيم السامية وأسس النجاح والتميز، من إرادة حديدية وإيمان بالله وثقة في النصر والانتماء والولاء للوطن
وقال الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، في كلمته خلال حفل تخرج الكليات العسكرية والتي تتزامن مع مناسبة الذكرى الـ”51″ لنصر أكتوبر المجيد، بالأكاديمية العسكرية المصرية بالقيادة الاستراتيجية بالعاصمة الإدارية: “يأتي شهر أكتوبر من كل عام حاملاً معه نسائم الانتصار والمجد، تلك الأيام التي نستحضر فيها دروس النصر، ونحتفي بالأبطال والشهداء، ونحيي ذكرى انتصارات أكتوبر العظيمة، التي تتزامن مع احتفالنا بتخريج دفعات جديدة من طلبة الأكاديمية العسكرية المصرية؛ لينضموا إلى ساحات الشرف والبطولة، مدافعين عن أمن مصر وسلامة شعبها بعد أن تم إعدادهم، وفقًا لأفضل وأرقى المستويات العسكرية والعلمية”.
وأضاف الرئيس المصري: “في مثل هذه الأيام، منذ 51 عامًا.. حققت مصر نصرًا سيبقى خالدًا في ذاكرة هذا الوطن وعلى صفحات تاريخه المجيد انتصارًا يذكر الجميع دائمًا بأن هذا الوطن -بتلاحم شعبه وقيادته وجيشه- قادرٌ على فعل المستحيل مهما عظُمَ، وأن روح أكتوبر ليست شعارات إنشائية تقال، بل كامنة في جوهر هذا الشعب، ومعدنه الأصيل، تظهر جلية عند الشدائد، معبرة عن قوة الحق، وعزة النفس، وصلابة الإرادة ويسجل التاريخ بكلمات من نور أن مصر عزيزة بأبنائها، قوية بمؤسساتها، شامخة بقواتها المسلحة، وفخورة بتضحيات أبنائها”.
وأكد الرئيس المصري، أنّ ما حققته مصر في حرب أكتوبر المجيدة سيظل أبد الدهر، شاهدًا على قوة إرادة الشعب المصري، وكفاءة قواته المسلحة، وقدرة المصريين على التخطيط الدقيق والتنفيذ المحكم.
توقف التاريخ العسكري أمام خطة تلك الحرب العظيمة، فالعالم كان يرى مصر في هذا التوقيت غير قادرة على الحرب والقتال أمام التفوق العسكري الإسرائيلي، خاصة بعد أن فقدت جيشها ومعداتها عام 1967، لكنها خاضت الحرب على عكس التوقعات، وأذهلت العالم، والنتيجة لم تكن استرداد الأرض المحتلة فقط بل وتأمين الحدود، حتى إن العدو لم يجرؤ على التفكير في المحاولة مرة أخرى، وجلس يتفاوض ووقّع معاهدة سلام، وأدرك العالم منذ ذلك الحين أنّ مصر بها جيش وطني متأهب لقطع أيدي كل من تسول له نفسه الاقتراب من أرضه أو محاولة المساس بأمنها.
خرجت مصر من تلك المعركة التي غيرت مسار التاريخ وحطمت البطولات الزائفة للعدو الإسرائيلي بجيش عظيم، “درع وسيف” قادر على الردع وحماية الوطن، فلا يستطيع أحدٌ الاقتراب من أراضي مصر بفضل وجود هذا الجيش الذي ضرب أروع الأمثلة في الوطنية والبسالة لتحرير أراضيه المحتلة.
بداية الحرب
حددت مصر وسوريا موعد الحرب في الثانية ظهرًا من يوم السادس من أكتوبر 1973، الموافق العاشر من رمضان 1393.
كان الهدف مباغتة الجانب الإسرائيلي، وفور أن حانت ساعة الصفر، شنّت القوات المسلحة المصرية هجومها بقيام 220 طائرة حربية بتنفيذ ضربات جوية على الأهداف الإسرائيلية شرقي قناة السويس، واستطاعت تدمير خط بارليف المنيع ومخازن الذخيرة وتجمعات الأفراد والمدرعات والدبابات ومراكز القيادة والمطارات.
ودخلت بعدها قوات المشاة حتى 20 كيلو مترًا داخل سيناء، أما على جانب هضبة الجولان السورية، فقصفت 100 طائرة حربية مواقع للجيش الإسرائيلي، مخترقة خطة الدفاعي وصولًا إلى بحيرة طبرية.
وواصلت القوات المصرية والسورية انتصاراتها على مدار الأيام الأولى للحرب، بعبور قناة السويس والاستيلاء على تحصينات خط بارليف، وانتقلت إلى الضفة الشرقية للقناة خمس فرق مشاة و1000 دبابة، لكن بدأت إسرائيل تستعيد قوتها بالحشد والبدء بالهجوم المضاد.
مجلس الأمن واستعادة الأرض
وأوقفت القوات المسلحة المصرية سعي إسرائيل لإقامة معبر ورأس جسر بالدفرسوار، ومنعتها من الوصول إلى الإسماعيلية أو السويس، بعد معارك ضارية، ومع قرار مجلس الأمن صباح يوم 22 أكتوبر بوقف إطلاق النار بين جميع الأطراف، لكنّ إسرائيل حاولت اقتحام مدينة السويس مرة أخرى.
ولكن بسالة أهل السويس والمقاومة الشعبية التي اتحدت مع فرق الجيش والشرطة المصرية، أرغمت إسرائيل على التراجع والقبول بوقف إطلاق النار الثاني في 24 أكتوبر عام 1973، طبقًا لقرار مجلس الأمن رقم 339، بعد ضغط من الاتحاد السوفييتي الذي كان مساندًا لمصر، وبعد محادثات طويلة، ومباحثات لفض الاشتباك تدخلت فيها الولايات المتحدة ووزير خارجيتها هنري كيسنجر، جرى توقيع اتفاقية فض الاشتباك الأولى في 18 يناير عام 1974، وانسحبت على إثرها القوات الإسرائيلية من غرب القناة وتمركزت عند خط الممرات، بينما احتفظت مصر بالتقدم الذي أحرزته في الحرب.
وتوالت المفاوضات والمباحثات حتى تحقق نصر أكتوبر 1973 باستعادة طابا عام 1981، وهو النصر الذي شهد على عبقرية الجندي المصري