الندابة هي مهنة تاريخية تتجذر في تقاليد بعض المجتمعات، حيث تعتبر جزءًا أساسيًا من عملية تشييع وتأبين المتوفى ، و تظهر قوة وسطوة الندابات في المجتمع المصري في مظهرها المميز، حيث ترتدي العباءة السوداء المهترئة وتصدح بصوت عالٍ يعبر عن حزنها وألمها. هذه النساء، أصحاب إمبراطورية “النحيب” في الجنازات، يعتمدن على صرخاتهن ودموعهن كمصدر لرزقهن الوحيد، فالندابة تعتمد بشكل كلي على الموت لتعيش ، وهو ما يمنحهن مكانة بارزة وسط النساء الحاضرات في المأتم ، و تتمثل دور الندابة في التعبير عن الحزن والفقد من خلال كلمات مؤثرة ورثاء موسيقي يعبر عن الألم والفراق ، و تتميز الندابة بصوتها القوي والرنان وقدرتها على استخدام المقامات الشعرية والموسيقية بمهارة لإيصال رسالة الحزن والفقد إلى الحضور.
و تعود جذور الندابة إلى العصور المصرية القديمة، حيث يظهر فن العديد في الصور الفرعونية على جدران المقابر، مما يدل على اهتمام المصريين القدماء بطقوس الموت و بالرغم من التطور الاجتماعي والثقافي الذي شهدته العديد من المجتمعات، فإن مهنة الندابة ما زالت موجودة وتُمارس في بعض الثقافات التقليدية حيث يقوم أهل المتوفى بتوظيف الندابة لأداء دورها في مراسم التشييع والتأبين، حيث تلعب دورًا أساسيًا في تهيئة الجو المناسب للتعبير عن الحزن والمواساة ، وتستطيع إحياء ذكريات وصفات المتوفى بطريقة تثير العواطف وتلامس القلوب.
تختلف العبارات التي تستخدمها الندابة حسب المتوفي و من أشهر العبارات استخداماً :
فعندما تقوم الندابة بالندب علي الشاب تقول:
من يوم فراقك والشاي فارق دارنا وبطلنا
شايك مع الحفار شيعناه
يا قبر جايلك شاب زين
خايل في لف العمامة عشان
خاطر نبينا الزين
يا رب تغفر له خطاياه.
وعندما تقوم الندابة بالندب علي المقتول:
يا نايحة نوحي عليه نوحي
فلان اتمدد على اللوحِي
أو زقزق يا عصفور وازعق يا غراب
فلان مجتول (مقتول) ومرمي في الخــراب.
وعندما تقوم الندابة بالندب على الرجل:
يا عمود بيتي والعمود هدّوه
يا هل ترى في بيت مين نصبوه
يا عمود بيتي والعمود رخام
يا هل ترى في بيت مين اتجام (اتقام).
أما عندما تقوم الندابة بالندب على صبية:
يا عود طري واتلوى
ميل ومال ع الأرض
امبارح كان وسطنا
والليلة تحت الأرض
يا قبر جايلك عروسة محنية الكفوف والكعب
خدت معاها الهنا وسابت وجع الجلب (القلب).
الندابة مهنة استمرت عبر الزمان رغم غرابتها و على الرغم من التطورات الحديثة في العالم، فإن مهنة الندابة لا تزال حاضرة وتُمارس بشكل راسخ في بعض المجتمعات التقليدية. تظل الندابة رمزًا للحزن والفقد، وتُقدر وتُحترم في مجتمعاتها كمرافقة مهمة في مراسم التشييع والتأبين.